jeudi 19 mars 2009

باولو كويليو : اعرف عدوك

بعض الناس هم أعداء أنفسهم‮..‬لا يدركون طعم السعادة إلا حين يصبحون علي وشك فقد ما يملكون من مقوماتها‮..‬حينها يدركون قيمتها ويحمدون الله
صداقةالثعابين
وصلتني من‮ "‬مورالي‮"-‬أحد قرائي من الهند‮- ‬هذه القصة‮:‬يحكي أن فتاة قررت ذات يوم الذهاب لزيارة جدتها في منطقة جبلية.كان المطر‮ ‬غزيرا‮ ‬ورياح باردة تهب علي المنطقة،والسماء تبرق وترعد‮.‬كادت الفتاة تصل إلي‮ ‬غايتها حين شعرت بشيء يلمس قدمها،‮ ‬وحين نظرت وجدته ثعبان‮.‬‮"‬أنا أموت‮..‬الجو بارد جدا‮ ‬علي هذه الجبال ولا يوجد طعام فأنقذيني،‮ ‬خذيني معك في جيب معطفك كي أحيا وسأكون صديقك الوفي‮." ‬ورغم العاصفة فقد توقفت الفتاة،‮ ‬وتأملت في الثعبان وأخذت تفكر،‮ ‬أعجبها لونه الذي يختلط فيه الأخضر باللمعة الذهبية بشكل لم تر أجمل منه في حياتها،وفكرت كيف ستحسدها صديقاتها حين يرين معها هذا الثعبان الذي سيحميها‮ ‬من أي خطر‮. ‬بعد فترة صمت قالت أخيرا‮:" ‬لا بأس‮..‬سأنقذك لأن كل كائن حي يستحق الرعاية والعطف‮."‬وهكذا أصبح الثعبان صديقا‮ ‬للفتاة،‮ ‬واستغلته في تخويف من يتخذ موقفا‮ ‬عدوانيا‮ ‬منها في المدرسة،‮ ‬وآنس وحشتها في أيام الوحدة‮.‬وذات مساء وهي‮ ‬غارقة في أداء واجباتها المدرسية شعرت بألم شديد في قدمها وحين نظرت لأسفل اكتشفت أن الثعبان قد عضها‮.‬صرخت الفتاة‮:"‬لكنك ثعبان سام وعضتك قاتلة‮!"‬لم يرد الثعبان‮.‬‮"‬سأموت‮..‬كيف جرؤت أن تفعل ذلك‮..‬ألم أنقذ حياتك!؟‮"‬أجابها الثعبان‮:"‬في هذا اليوم الذي انحنيت فيه لتأخذيني من علي الأرض كنت تعلمين ذلك‮..‬أنني ثعبان‮..‬أليس كذلك؟‮"‬وانسل بعيدا‮ ‬عنها؟
العدو الداخلي
شاهد السيد نصر الدين ذات يوم رجلا‮ ‬جالسا‮ ‬في حالة من الحزن علي جانب الطريق‮ .‬‮"‬ماذا أصابك‮! " ‬سأله السيد‮.‬رد الرجل في أسي‮:"‬لا شيء جديد أو مهم في حياتي‮. ‬عندي من المال ما يكفيني فلا أحتاج إلي العمل،‮ ‬وقد سافرت كي أجد شيئا‮ ‬مثيرا‮ ‬في الحياة وما يقوله من أقابلهم من أخباروأحاديث لا يزيدنا إلا مللا‮.‬ورغم كل ما فعلت في البحث عن معني للحاية فإنني لم أجد السلام الذي أفتش عنه،‮ ‬وصرت عدو نفسي‮."‬في هذه اللحظة خطف السيد نصر الله حقيبة الرجل وجري بعيدا،‮ ‬ونظرا لخبرته يالمكان فقد اتخذ سبيله بين التلال والحقول حتي ابتعد عن الرجل تماما‮.‬حين وصل لهذه النقطة وضع حقيبة الرجل علي الطريق الذي لا شك سيعبره،‮ ‬واختبأ خلف شجرة‮. ‬بعد نصف ساعة ظهر الرجل وما أن وقعت عينه علي الحقيبة حتي هرول إليها فرحا و سارع بالنظر بداخلها فلما تبين له أن كل محتوياتها في مكانها رفع بصره للسماء وشكر الله علي أن ردها له‮.‬وقف السيد نصر الدين مبتسما‮ ‬وقال‮:"‬‮" ‬بعض الناس هم أعداء أنفسهم‮..‬لا يدركون طعم السعادة إلا حين يصبحون علي وشك فقد ما يملكون من مقوماتها‮..‬حينها يدركون قيمتها ويحمدون الله‮."‬

mardi 10 mars 2009

على الحدود: نص للاستاذة زكية الضيفاوي

المنزل لما حواه من رطوبة كأنما قطعة من سيبيريا ،ثم أمطر الطقس فاستبد البرد أكثر ولا بد لها من تدفئة حتى تستطيع الحراك. آلة التدفئة متوفرة لكن قارورة الغاز التي تشغلها قد نفذت، فضلت تحمل قسوة الشارع لبعض الوقت من اجل شحنها فخرجت تجرها وثقل هموم الشتاء والمدينة التي تم تتأقلم معها بعد يرهقانها. وزادت المفاجآت على ذلك الثقل أثقالا . لطالما حلمت بالسكن في العاصمة ، مركز القرار والرفاه وحيث الناس خليط من كل الملل والنِِِحل ولا أحد يجد الوقت للعناية بشؤون الآخرين ..وعندما جاءت الفرصة كانت المفاجآت مذهلة .تلقت الصدمة الأولى عندما تفطنت إلى أن فريقا من البوليس السياسي يتكون من أربعة مترجلين يرصد خطواتها بكل دقة. المطر والبرد ووحل الشوارع يكشفون عن الوجه الحقيقي للمدينة، وثقل القارورة والبطالة وكومة الهموم والمطردة ..ما أجملك عاصمة في أعين السياح !..ولكن ...
كل ذلك جعلها تنسى نفسها وموجة من الرعب وتساؤلات لا حصر لهالا ولا أجوبة تباغتها؛ هل يمكن أن تكون القارورة قد شحنت، دون علمها، بدل الغاز بمنشورات تحرض على قلب نظام المدينة الهادئة ؟ أو ..هل خمنت دونما وعي في تفجيرها واستطاعت السلط الأمنية اكتشاف نواياها وأخذت الإجراءات اللازمة لإحباط العملية وتعمل الآن على الإمساك بها متلبسة لتعيدها إلى السجن ؟ولكن كيف استطاعوا التجسس على نواياها؟ .واستفاقت من ذهولها عندما طافت بالحي شارعا شارعا دون أن تعثر على ضالتها ،فكلما طرقت باب دكان إلا واعلمها صاحبه أن الحي الذي تسكنه راق جدا حتى أنه يعول على الغاز المنقول عبر الأنابيب فانعدمت فيه مراكز شحن القوارير. عادت تتأمل الحي بدقة تتحسس مظهرا واحدا من مظهر الرقي المزعوم فلم تمر بخيالها سوى المظاهر الخربة للمنازل المتآكلة من القدم حتى أنك تخال بعضها سيسقط أمام أول أمطا ر غزيرة نسبيان ، وتزاحمت أمام أعينها صور الفقر المتقع للسكان وللمساكن وحتى للقطط التي تبدو هزيلة شاحبة .طاف بذهنها كل ذلك وقدماها تقودانها مسافات أطول بحثا عن محطات بيع الوقود وقد أقرت العزم على توفير الدفء، فالبرد والجوع معا لا يمكن مقاومتهما. اضطر الفريق المرافق أيضا إلى مواصلة المتابعة والرقابة واحتضن المطر الجميع فتبللت الأثواب وارتعدت الأجساد. تصورت أن تعب هذه الساعات سيضمن لها دفء الأيام المقبلة لكنها لم تستطع تصور ما سيجنيه الفريق المراقب...قررت وقد أخذ منها التعب مأخذه أن تستأجر عربة "تاكسي " علها تنعم بشيء من الراحة والدفء أثناء مشوار التجوال الذي يبدو أنه لن ينتهي على خير، وتذكرت أن عربات "التاكسي "ممنوعون من حمل قوارير الغاز ـ حتى الفارغة منها ـ وبقيت ساعات تفتش بينهم عن مغامر داعية في سرها أن يكون أعمى كي لا ينتبه إلى الملاحقات ، وعوضتها فرحة العثور عليه عن معانات الساعات المنصرمة، امتطت "التاكسي "أخيرا متنفسة الصعداء متصورة أن المطاردة ـ على الأقل ـ ستنتهي عند هذا الحد. لكن الذهول عاودها ثانية عندما تفطنت إلى أن الأرض انشقت فجأة وقذفت بدراجة نارية يمتطيها اثنان تطاردها من جديد..!!!.خشيت أن يتعرض السائق إلى الإيقاف والمحاسبة وامتلكتها رعشة غامضة لم تتخلص منها إلا عندما تأكدت من أن أعوان الأمن ليسوا معنيين بمتابعة من يتجاوز القانون لمحاسبته، إن مهمتهم الأساسية تتلخص فقط في مضايقتها هي وأمثالها ممن يخالفون النظام الرأي. وعادت بها الذاكرة لتتأمل تاريخها بحثا عن جرم ارتكبته فلم تجد إلى ذلك سبيلا ، وانتبهت في الأثناء إلى أن الفريق المراقب لم يكن يتكون فقط من الأربعة المترجلين بل ربما كان وراءهم العشرات بعضهم يركب الدراجات النارية والبعض الأخر يمتطي السيارات وربما تكون هناك أيضا طائرات غير مرئية والهواتف الجوالة لا تستكين .تذكرت الوجوه التي هاجمتها في الأسبوع الخير وجعلتها عرضة ـ دونما موجب قانوني ـ للإيقافات والاهانات والتفتيشات الجسدية الدقيقة في الزوايا الخالية من شوارع العاصمة وفي مراكز" الأمن" فعجزت عن حصر أعدادهم ،استرجعت شريط الصور في مخيلتها فأقشعر البدن،أكثر من ثلاثين صورة طبعت في ذهنها ،حاولت تقدير الخسائر التي تكتفها للخزينة العامة ،دونما موجب ،فأحست بالذنب أثقل من كل الهموم ، أجرة أكثر من ثلاثين عونا بعضهم يرابط قرب المنزل والبعض الآخر يتابع خطواتها أينما سارت، مع ما يلزمهم لشحن الهواتف الجوالة والسيارات والدراجات النارية وما تستهلكه من وقود... أكل هذا لأجلها ؟ ماذا تراهم يكتبون في تقاريرهم اليومية ؟تناولت غداءها في مطعم كذا..احتست قهوتها في المقهى الفولاني ..جالست فلان وفلان .. زارت مقر الحزب الفلاني أو المنظمة الفلانية.. اشترت خضرا وغلالا .. وماذا بعد؟ عادت تخمن في حل يعفي الخزينة العامة من ثقل هذه المصاريف علها تنفق في أشياء أهم لكنها عجزت مرة أخرى !!!هل تستقيل من كل نشاط حقوقي و سياسي ؟ومن ذا الذي يمكن أن يصدقها إن أعلنت ذلك ؟ لا شئ مؤكد ..فالقاعدة العامة تقول "من ليس معك فهو بالضرورة ضدك" لا مجال إذا للاستقلالية والمحايدة ،ثم ما قيمة أنشطتها هذه التي أحرجت السلط إلى هذا الحد وجعلتها تخصها بكل هذه الرقابة ؟هي ليست إلا منخرطة قاعدية في حزب سياسي وفي بعض الجمعيات الحقوقية التي تعمل في إطار القانون وحتى كتاباتها فنادرا ما تجاوزت القصة القصيرة .. فهل تتخلى أيضا عن النص الأدبي حتى تخفض من مصاريف الرقابة ؟ بل هل يمكن لها أن تخمد ذاك الجهاز الغريب الذي وان كبتته في صحوها فسينفلت أثناء ساعات النوم ،وربما تكون الأحلام أخطر،وهل يمكن للأحلام أن تفلت من الرقابة ؟ ..واستفاقت من معاناتها على وقع المفاجأة الأكبر والأخطر!إذ رفضت كل محطات بيع الوقود شحن القارورة القادمة هي الأخرى من جمهورية ثانية..عفوا من ولاية ثانية ... البلد إذا مقسم بين السلع ورؤوس الأموال إلى مناطق نفوذ ولكل مجاله الحيوي الذي إن تعداه أضر بمصالح الآخر ووسائل الإعلام تروج للحرية الاقتصادية وتحرير الأسعار وحذف الحدود الجمركية حتى يستفيد المستهلك من المنافسة النزيهة بين شركات الإنتاج ..!كيف إذا تباع البضائع الصينية على قارعة الطريق العام ؟ ... ما أثقل هم السؤال ذي الأجوبة المتعددة فما بالك إذا باغتتك أسئلة لا أجوبة لها، وانتبهت..أنها وقارورة الغاز في نفس الوضعية، كلاهما لفضه مسقط الرأس.. كلاهما مطارد، ومغترب على أرصفة العاصمة
.